فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} قال: وحي قذف في قلوبهم ليس بوحي نبوّة، والوحي وحيان: وحي تجيء به الملائكة، ووحي يقذف في قلب العبد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {أَنْ آمِنُواْ بِي}: في «أنْ» وجهان:
أظهرهما: أنها تفسيرية؛ لأنها وردت بعد ما هو بمعنى القولِ، لا حروفه.
والثاني: أنها مصدريَّةٌ بتأويلٍ متكلَّف، أي: أوْجبْتُ إليهم الأمر بالإيمان، وهنا قالوا «آمَنَّا» ولم يُذْكَر المُؤمنُ به، وهناك {آمَنَّا بالله} [آل عمران: 52] فذكره، والفرق أنَّ هناك تقدَّم ذكرُ الله تعالى فقط، فأُعيدَ المؤمَنُ به، فقيل: «بالله» وهنا ذُكِرَ شيئان قبل ذلك، وهما: {أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي}، فلم يُذْكَر؛ ليشمل المذكورين، وفيه نظرٌ، وهنا قال «بأنَّنَا» وهناك قال «بِأنَّا» بحذف «نَا»، وقد تقدَّم غيره مرة: أنَّ هذا هو الأصل، وإنما جِيءَ هنا بالأصل؛ لأنَّ المُؤمنَ به متعدِّدٌ، فناسَبَه التأكيد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}.
وإنما خصَّهم بالوحي إلهامًا وإكرامًا لانبساط ضياء عيسى عليهم، وفي الأثر: «هُمُ القومُ لا يَشْقَى بهم جليسُ». اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}.
وكلمة الحَوَارِيّ مأخوذة من المحسات. فالحُوَّارَي تطلق على الدقيق النقي الخالص. وأطلقت على كل شيء نقي بصفاء خالص، و«الحَوَاري» هنا تعني المخلص والمحب لمنهج الخير. وسبحانه يقول: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ} والوحي بمعناه العام هو الإعلام بخفاء؛ أي أن الحق ألهمهم أن يؤمنوا برسالة عيسى المبلغ عن الله، أي أعلمهم بخواطر القلب التي أعلم بها أُمَّ موسى ان تلقى ابنها في اليم ليلقيه اليم إلى الساحل، وهو غير الوحي للرسول، فالوحي للرسول هو الوحي الشرعي بواسطة رسول مبلغ عن الله هو سيدنا جبريل عليه السلام، أما وحي الله إلى أم موسى أو إلى الحواريين فهو استقرار خاطر إيماني يلتفت بعده الموحى إليه ليجد الواقع يؤيد ذلك. وعندما لا يصادم إلهام القلب أمرًا واقعًا ولا يجد الإلهام ما يصادمه في نفس الإنسان، فهذا لون من الوحي، أي هو إعلام بخفاء، كأن يتوقع الرجل مَقْدَم صديق من سفر، أو لونًا من الطعام يشتهيه فيجده على المائدة.
إذن فالإلهام وارد من الله لخلق الله مادام لا يصادم شيئًا في النفس أو في الواقع؛ لأن الإلهام الذي يقابل صدامًا ليس من الله. فالشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
إن الله أوحى للحواريين أن يؤمنوا به وبرسالة عيسى عليه السلام. وبمجرد مجيء عيسى وسماعهم أنه رسول من الله أعلنوا الإيمان به وصاروا من خلصائه. وساعة نرى: «إذ» فلنفهم أن معناها تذكر وقت الحدث الذي قال فيه الحواريون: نحن آمنا بعيسى نبيًا من عند الله وأشهدوه أنهم مسلمون. اهـ.

.تفسير الآية رقم (112):

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من المقصود بذكر معجزات عيسى عليه السلام تنبيه الكافر ليؤمن، والمؤمن ليزداد إيمانًا، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتوبيخ اليهود المدعين أنهم أبناء وأحباء- إلى غير ذلك مما أراد الله، قرعت به الأسماع، ولم يتعلق بما يجيب به يوم القيامة عند أمره بذلك غرض فطوي؛ ولما كان أجلّ المقاصد تأديب هذه الأمة لنبيها عليه السلام لتجلّه عن أن تبدأه بسؤال أو تقترح عليه شيئًا في حال من الأحوال، ذكر لهم شأن الحواريين في اقتراحهم بعدما تقدم من امتداحهم بِعَدِّهم في عداد أولي الوحي ومبادرتهم إلى الإيمان امتثالًا للأمر ثم إلى الإشهاد على سبيل التأكيد بتمام الانقياد وسلب الاختيار، فقال معلقًا بـ{قالوا آمنا} مقربًا لزمن تعنتهم من زمن إيمانهم، مذكرًا لهذه الأمة بحفظها على الطاعة، ومبكتًا لبني إسرائيل بكثرة تقلبهم وعدم تماسكهم إبعادًا لهم عن درجة المحبة فضلًا عن البنوة، وهذه القصة قبل قصة الإيحاء إليهم فتكون «إذ» هذه ظرفًا لتلك، فيكون الإيحاء إليهم بالأمر بالإيمان في وقت سؤالهم هذه بعد ابتدائه، ويكون فائدته حفظهم من أن يسألوا آية أخرى كما سألوا هذه بعدما رأوا منه صلى الله عليه وسلم من الآيات: {إذ قال} وأعاد وصفهم ولم يضمره تنصيصًا عليهم لبُعد ما يذكر من حالهم هذا من حالهم الأول فقال: {الحواريون} وذكر أنهم نادوه باسمه واسم أمه فقالوا: {يا عيسى ابن مريم} ولم يقولوا: يا رسول الله ولا يا روح الله، ونحو هذا من التبجيل أو التعظيم {هل يستطيع ربك} بالياء مسندًا إلى الرب وبالتاء الفوقانية مسندًا إلى عيسى عليه السلام ونصب الرب، ومعناهما واحد يرجع إلى التهييج والإلهاب بسبب الاجتهاد في الدعاء بحيث تحصل الإجابة، وتكون هذه العبارة أيضًا للتلطف كما يقول الإنسان لمن يعظمه: هل تقدر أن تذهب معي إلى كذا؟ وهو يعلم أنه قادر، ولكنه يكنى بذلك عن أن السائل يحب ذلك ولا يريد المشقة على المسؤول {أن ينزل} أي الرب المحسن إليك {علينا مائدة} وهي الطعام، ويقال أيضًا: الخوان إذا كان عليه الطعام، والخوان شيء يوضع عليه الطعام للأكل، هو في العموم بمنزلة السفرة لما يوضع فيه طعام المسافر بالخصوص، وهي من ماده- إذا أعطاه وأطعمه.
ولما كان هذا ظاهرًا في أنها سماوية، صرحوا به احترازًا عما عوَّدهم به صلى الله عليه وسلم من أنه يدعو بالقليل من الطعام فيبارك فيه فيمده الله فيكفي فيه القيام من الناس فقالوا: {من السماء} أي لا صنع للآدميين فيها لنختص بها عمن تقدمنا من الأمم.
ولما كان المقصود من هذا وعظنا وإرشادنا إلى أن لا نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم شيئًا، اكتفاء بما يرحمنا به ربنا الذي رحمنا بابتدائنا بإرساله إلينا لإيصالنا إليه سبحانه، وتخويفًا من أن نكون مثل من مضى من المقترحين الذين كان اقتراحهم سببَ هلاكهم؛ دل على ذلك بالنزوع من أسلوب الخطاب إلى الغيبة فقال مستأنفًا إرشادًا إلى السؤال من جوابهم: {قال} ولم يقل: فقلت {اتقوا الله} أي اجعلوا بينكم وبين غضب الملك الأعظم الذي له الكمال وقاية تمنعكم عن الاجتراء على الاقتراح {إن كنتم مؤمنين} أي بأنه قادر وإني رسوله، فلا تفعلوا فعل من وقف إيمانه على رؤية ما يقترح من الآيات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

جملة: {إذ قال الحواريّون} يجوز أن تكون من تمام الكلام الذي يكلّم الله به عيسى يومَ يجمع الرسل، فيكون {إذ} ظرفا متعلّقًا بفعل {قالوا آمنّا} [المائدة: 111] فيكون ممّا يذكر الله به عيسى يوم يجمع الرسل، فحكي على حسب حصوله في الدنيا وليس ذلك بمقتض أنّ سؤالهم المائدة حصل في أول أوقات إيمانهم بل في وقت آخر {قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} [المائدة: 111]؛ فإنّ قولهم {آمنّا} قد يتكرّر منهم بمناسبات، كما يكون عند سماعهم تكذيب اليهود عيسى، أو عندما يشاهدون آيات على يد عيسى، أو يقولونه لإعادة استحضار الإيمان شأن الصدّيقين الذين يحاسبون أنفسهم ويصقلون إيمانهم فيقولون في كلّ معاودة.
آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون.
وأمّا ما قرّر به الكشاف ومتابعوه فلا يحسن تفسير الكلام به.
ويجوز أن يكون جملة: {إذ قال الحواريّون} ابتدائية بتقدير: اذكر، على أسلوب قوله تعالى: {إذْ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا} في سورة النمل (7)، فيكون الكلام تخلّصًا إلى ذكر قصّة المائدة لمناسبة حكاية ما دار بين عيسى وبين الحواريّين في قوله تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي} [المائدة: 111] وابتدأوا خطابهم عيسى بندائه باسمه للدلالة على أنّ ما سيقولونه أمر فيه اقتراح وكلفة له، وكذلك شأن من يخاطب من يتجشّم منه كلفة أن يطيل خطابه طلبًا لإقبال سمعه إليه ليكون أوعى للمقصود. اهـ.

.قال الفخر:

{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} قرأ الكسائي {هَلُ تَسْتَطِيعَ} بالتاء {رَبَّكَ} بالنصب وبإدغام اللام في التاء، وسبب الإدغام أن اللام قريب المخرج من التاء لأنهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وبحسب قرب الحرف من الحرف يحسن الإدغام، وهذه القراءة مروية عن علي وابن عباس.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانوا أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع وإنما قالوا هل تستطيع أن تسأل ربك.
وعن معاذ بن جبل: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {هَلُ تَسْتَطِيعَ} بالتاء {رَبَّكَ} بالنصب والباقون يستطيع بالياء ربك برفع الباء وبالإظهار فأما القراءة الأولى فمعناها: هل تسطيع سؤال ربك؟ قالوا وهذه القراءة أولى من الثانية لأن هذه القراءة توجب شكهم في استطاعة عيسى، والثانية توجب شكهم في استطاعة الله، ولا شك أن الأولى أولى، وأما القراءة الثانية ففيها إشكال، وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم {قَالُواْ ءامَنَّا واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] وبعد الإيمان كيف يجوز أن يقال إنهم بقوا شاكين في اقتدار الله تعالى على ذلك؟
والجواب عنه من وجوه: الأول: أنه تعالى ما وصفهم بالإيمان والإسلام بل حكى عنهم ادعاءهم لهما ثم أتبع ذلك بقوله حكاية عنهم {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السماء} فدل ذلك على أنهم كانوا شاكين متوقفين فإن هذا القول لا يصدر عمن كان كاملًا في الإيمان وقالوا: ونعلم أن قد صدقتنا وهذا يدل على مرض في القلب وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم {اتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يدل على أنهم ما كانوا كاملين في الإيمان.
والوجه الثاني: في الجواب أنهم كانوا مؤمنين إلا أنهم طلبوا هذه الآية ليحصل لهم مزيد الطُّمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام {ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} [البقرة: 260] فإن مشاهدة مثل هذه الآية لا شك أنها تورث الطمأنينة ولهذا السبب قالوا وتطمئن قلوبنا.
والوجه الثالث: في الجواب أن المراد من هذا الكلام استفهام أن ذلك هل هو جائز في الحكمة أم لا وذلك لأن أفعال الله تعالى لما كانت موقوفة على رعاية وجوه الحكمة ففي الموضع الذي لا يحصل فيه شيء من وجوه الحكمة يكون الفعل ممتنعًا فإن المنافي من جهة الحكمة كالمنافي من جهة القدرة، وهذا الجواب يتمشى على قول المعتزلة، وأما على قولنا فهو محمول على أن الله تعالى هل قضى بذلك وهل علم وقوعه فإنه إن لم يقض به ولم يعلم وقوعه كان ذلك محالًا غير مقدور لأن خلاف المعلوم غير مقدور.
الوجه الرابع: قال السدي: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} أي هل يطيعك ربك إن سألته، وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع والسين زائدة.
الوجه الخامس: لعلّ المراد بالرب: هو جبريل عليه السلام، لأنه كان يربيه ويخصه بأنواع الإعانة، ولذلك قال تعالى في أول الآية {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} [المائدة: 110] يعني أنك تدعي أنه يريبك ويخصك بأنواع الكرامة، فهل يقدر على إنزال مائدة من السماء عليك.
والوجه السادس: أنه ليس المقصود من هذا السؤال كونهم شاكين فيه بل المقصود تقرير أن ذلك في غاية الظهور كمن يأخذ بيد ضعيف ويقول هل يقدر السلطان على إشباع هذا ويكون غرضه منه أن ذلك أمر جلي واضح، لا يجوز لعاقل أن يشك فيه، فكذا ههنا. اهـ.